بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 14 يوليو 2015

حتى ذلك النهار ...

        حتى ذلك النهار - عندما لامس الكعب العالي لحذائه المهترئ الذي كان يلمع كخطيئة عابرة تراب المدينة، مترجلا عن سيارة الأجرة، و مط جسمه قليلا كشراع منفوخ ، ومسح على مقدم ساقيه لكي يعيد سرواله "الجينز" الضيق لحاله السابق ، ثم رفع ياقتي سترته البالية، و أخرج سيجارة "جفارة" التي كان يعض عليها بطرفي شفتيه قبل أن يبصق بين رجلي سائق السيارة، بينما كان المذياع يردد "نشيدا" - لم يكن"عيازو" معروفا في مدينتنا.
وبعد أن لوى "عيازو" رقبته بحركة متشنجة في الاتجاهين، حك طرف أنفه بيده اليسري ودفع برأسه الى أقرب نقطة ممكنه من رأس السائق سائلا اياه بنظرة ذات معنى:" أي خدمة؟"، أجاب هذا الأخير بالنفي مبعدا عينية سريعا عن ثقل نظرته، أما "عيازو" فقال له بصوت ناعم انزلق من بين شفتيه كتحذير" اذا ابتعد عن طريقي يارفيق!". عندها أفسح سائق السيارة ذو الوجه الممصوص الطريق لـ"عيازو"، وقد فقد الأمل في التحصل على أجرته، وصاح بصوت خافت خرج من قعرحنجرته الجافة كنفس أخير من اطار مثقوب:"أجري على الله".

ولوهلة نظر "عيازو" الى السماء الصافية ثم اقترب بخفة من السائق - بعد أن تناول شيئا من الكيس القماشي الكبير الذي يحوي حاجياته- حتى كاد أن يلتصق بجسم السائق وصاح به :" يارفيق الجميع يعوزهم شيء، لكن لا شيء يأتي دونما صراع" . أما السائق الذي برزت نقطة عرق على جبهته، ثم انزلقت وهي تلمع الى أنفه، فهز رأسه متصنعا علامة تفهم دون أن ينبس بأي كلمة، و أكتفى في سره، برجاء أن لا يكون هو المقصود بالصراع، وهو ينظر الى "عيازو" بريبة ، بينما كانت قطرة العرق في طريقها من طرف أنفه الى الأرض.

وبينما كان "عيازو" يمضي بخطوات واسعة مبتعدا التفت و صاح بالسائق مذكرا "كل هذا يجب أن يتغير يوما ما… لا بد من الصراع"، وهو يشير باصبعه الى جيبه الأيمن، كما لو كان يقصد شيئا، بينما نظر هذا الأخير حوله بضيق ثم زفر نفسا عميقا وهو لايزال يلعن سرا - دون أية طقوس - حظه العاثر الذي أرسل له هذا "المشكلجي". و بسلوكه هذا كان ذو الوجه العابس يعلن دون أن يطلق أية صرخة حقد بائسة، معرفته أو سماعه بقصة الفتى المتمرد الخطر الذي كان ، على ما بدا له، لا ينتمي بأي شكل لبشر الوطن الطيبين. وعندما وضع السائق يده في جيب معطفه الأيمن ليسحب مفتاح السيارة، وجد علبة. وبينما كان "عيازو" يمضى على قدميه في البعيد، سحب السائق سيجارة من العلبة التي دسها المتمرد خلسة في جبيه، وأشعلها ونفث دخانها بقوة فمرت سحابة أمام عينيه حاجبة الرؤية لوهلة، ... ثم هز راسه و ابتسم.

عن مخطوط رواية "الوردة بدون لماذا" . تأليف أحمد عبد السلام بن طاهر
نشرت على صفحتي على الفيس بوك بتاريخ 14 يوليو 2015
______________________________________________
Copyright© 2015 by Ahmed Abdulsalam Ben Taher
حقوق النشر محفوظة © 2015 للمؤلف أحمد عبد السلام بن طاهر 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق