بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 21 أغسطس 2015

حدث في تلك الليلة ...

       " فتحت عينيها برعب، وهي تلهث من الخوف. انه قادم. انه قادم، انها تسمع أنفاسه اللاهثة من بعيد. ليس هذه المرة قالت في نفسها، وبقوة عجيبة انتزعت معصميها من الربطة القماشية التي أوثقها أهلها بها في السرير. كان قلبها يخفق بعنف، ولم يكن يدخل غرفتها الا بصيص من نور القمر. كانت تحس بوجوده، وتشم رائحته ... كانت تشعر به يتقدم نحوها.  قفزت مرتعبة من فوق جسد امها التي كانت تغط في النوم على الأرض قرب سريرها، وفتحت الباب وانطلقت صاعدة الجبل المنتهي انحداره قرب غرفتها. سمعت صراخا وجلبة، ثم سمعته يلهث خلفها، سمعت أقدامه العديدة تركض خلفها، وكان يناديها تارة بصوت امها وتارة أخرى بأصوات اخوتها. أحست بالدماء تنزف من قدميها ومن أطراف أصابعها و ركبتيها. شعرت به يقترب منها أكثر، لكنها كانت عازمة على أن لا تدعه يمسك بها هذه المرة. وصلت قمة الجبل وأسرعت الى حافته، لكنه كان خلفها، خلفها. (يا أختي توقفي! توقفي يا صالحة …)، صاح بها بصوت أخيها محاولا خداعها، لكنها كانت تعرف الاعيبه. كان هناك نور خافت ينبعث من "مقبرة الصحابة" هنالك عند طرف بصرها. أحست بيده بالكاد تلامسها، ثم شعرت بجسمها يصبح بلا وزن تقريبا . (لا لا لا ...، لا يا صالحة…)، سمعت صراخه، كان ينتحب بحرقة ، فعرفت أنها أفلتت من قبضته الى الأبد. ... حدث هذا ليلة اليوم الذي حدث فيه الرجل الغريب الطفل عن الوردة، أول مرة!"

عن مخطوط رواية "الوردة بدون لماذا" . تأليف أحمد عبد السلام بن طاهر
نشرت على صفحتي على الفيس بوك بتاريخ  22 أغسطس 2015
____________________________________________

Copyright© 2015 by Ahmed Abdulsalam Ben Taher
حقوق النشر محفوظة © 2015 للمؤلف أحمد عبد السلام بن طاهر 

زقاق الدرقاوية

        " ... عدت أدراجي ومررت بداخل الزقاق. وأشعرني النظر اليه مثلما هو الحال مع كل الأزقة التي تتمدد حول السوق ،بأني في مواجهة التاريخ. الماضي كان ممدودا أمامي و خلفي وفي كل مكان، و كان يعلن عن نفسه كراية فوق الاحجار التي نقشها الأندلسيون بأظافرهم و عرقهم خلال العقد الأول من انشائهم لهذه المدينة قبل أكثر من أربعة قرون، دون أن يدري أي منهم شيئا عن الماضي المظلم الذي تسبب في خراب هذه المدينة وتركها أطلالا لقرون من الزمان قبل أن تطا أقدامهم ثراها. (لابد أنه كان زمنا مرعبا) تذكرت تعليق الاستاذ "رامي" ، عندما كان يخبرني بعضا من تاريخ المدينة بينما كنا في السيارة ، (نعم لا بد أن شيئا عظيما قد حدث ولكن لا أحد يدري ماهو) ، قال وهو يتأمل البحر الذي ارتسم على زجاج السيارة. وفجاءة اصدمت بوجهي هبة ريح رقيقة فانتشلتني لبرهة من شريط ألذكريات، التي كان من الممكن أن لا أعيشها لولا قضية" صالحة". كانت رائحة الزقاق رطبة مشحونة طوال الوقت ببعض من عبق البخور، وكان خاليا من البشر عندما دخلت الى المكان الذي بدا كما لو أن الزمن الحديث قد أدار له ظهره. (لكن هل تسلل الرعب الى قلوبهم عندما جالوا للمرة الأولى بين الأطلال، التي مر بها أجدادهم الفاتحين منذ قرون وأي أوهام ورؤى مظلمة تعرت أمامهم ورائحة البحر لم تزل تتسرب من ثيابهم)، تذكرت هذه العبارة التي قالها الأستاذ "رامي" بلهجة مفخمة، وهو يتفحصني بنظرته الهيتشكوكية التي تعودت عليها عندما يتحدث عن الرعب. الزقاق كان مسدودا بباب مقوس أندلسي الطراز في نهايته من الجهة اليمنى، وكان الباب الوحيد في الزقاق الذي لم يكن مغلقا بالكامل، فاقتربت منه، ولكن عندما كنت وضع يسمح لي بالقاء نظرة الى الداخل، سمعت مواء حادا أتى من شجرة التين التي كانت أغصانها تطل من فوق الباب، وتتسلل بين فجوات الجدار الخرب من الأعلى، وسمعت صوت سيدة تقترب من الباب، فقفلت راجعا على عجل، بينما كان صوت الأستاذ "رامي" ينبعث من زوايا ذكرياتي ( أي قرطاس ملعون نقل اللعنة في حروفه الى هذه المدينة، وهل نبش الصوفيون الذين تواردوا اليها كالذباب كل الأحجار والشقوق بحثا عن القرطاس المسحور أم تلبستهم لعنة الكلمات) قال ذلك وهو يقهقه بصوت عالي عند دخولنا الي المدينة، ثم تابع بصوت من خطرت له فكرة غير متوقعة (حكومة العالم الخفية،...اللعنة، كيف لم يخطر ذلك ببالي ) ، فأوقفت السيارة فجاءة و أنا أنظر اليه متعجبا كما لو كنت أتفحص مخبولا. عندها قال (أستمر، أنا أمزح بالطبع).

         لم يكن بالزقاق الا مجموعة من البيوت الصغيرة من دور واحد ما عدا بيتان كانا من دورين أحداهما في داخل الزقاق والأخر قرب نهايته لجهة السوق،وكانت المسافات الفاصلة بين الأبواب فارغة الا من بعض النوافذ الصغيرة الموصدة هنا وهناك، وبدت دون أية زخارف أو تفاصيل بارزة. الا ما يخبر عن الطابع الأندلسي. أما الجدران فكانت باهتة ولم ترى طلاء جديدا منذ فترة طويلة. القيت نظرة عابرة بداخل الزقاق تجاه الأبواب المقفلة، و لحسن الحظ لم أتقابل مع أي من الساكنين. وفي النهاية وقفت في مدخل الزقاق ملقيا نظرة أخيرة عليه. وفجاءة سمعت صوت باب يفتح، فتحركت بحذر الى زاوية الزقاق الأقرب الي سوق الخضار، مما يسمح لي بأن لا أكون مرئيا بسهولة لمن يخرج ، وركزت بصري ناحية الصوت، كما لو أن شبحا سيبرز منه، وكنت أمل أن يكون "المريد" ولكن لم يخرج أحدـ وعندما هممت بدخول الزقاق للاقتراب بحذر من الجهة التي صدرت عنها الضجة، سمعت فجاءة صرير نافذة تفتح من الجهة العلوية للمبني الواقع في مدخل الزقاق من اليسار ،وأطل منها للتو وجه شابة نظرت باتجاه مدخل المبنى في الأسفل ثم الى مدخل الزقاق، ولم يكن بامكانها أن تراني بسهولة من زاويتها. كان راس الفتاة عاريا و وجهها جميلا و شاحبا يشوبه بعضا من الحزن، مثل وجوه اللاتي قضين أغلب شبابهن في عتمة الجدران الرطبة، التي تفقد النساء ذلك السحر بالحياة والحيوية. و الحقيقة أنني لم أنتبه لطول الوقت الذي تفرست في وجهها، بأحاسيس متناقضة فقد ذكرني شحوبها و مسحة الكدر الغامضة التي تلفها بـصالحة، و لدقائق شعرت بأني لم أكن قادرا أن أعطي ظهري لهذا الوجه، وعندما تحركت من مكاني قليلا التقت عينانا، وشعرت في نظرتها التي خيمت عليها هالة حزينة، نظرة حيوان بري قبض عليه بعد صراع طويل، حينها باغتني صوت مألوف من خلفي: ( انه زقاق الدرقاوية)، وعندما التفت متفاجئا، وجدت "شيخ الطريقة" بجسمه المنحني النحيف وعيناه اللتان تشعان بنور باهت يبتسم و هو يربت على كتفي بهدوء (أرى انك مهتم بمعالم مدينتنا. هذا هو زقاق الدرقاوية، وهو في اسمه ينتسب الى الطريقة الدرقاوية التي أسسها "سيدي العربي الدرقاوي الذي ولد في المغرب قبل أكثر من قرنين) ، ... "


عن مخطوط رواية "الوردة بدون لماذا" . تأليف أحمد عبد السلام بن طاهر
نشرت على صفحتي على الفيس بوك بتاريخ  21 أغسطس 2015
____________________________________________
Copyright© 2015 by Ahmed Abdulsalam Ben Taher
حقوق النشر محفوظة © 2015 للمؤلف أحمد عبد السلام بن طاهر 


الخميس، 20 أغسطس 2015

ألم وحنين ويأس ...

الصورة من تصوير الفنان شحات اشليمبو
       "... غير أن "لماذا الوردة" رفع ذراع "المريد" بقوة فابعدها ودفع به بقوة حتي سقط على السياج الحديدي المزخرف للكنيسة، وبينما كان هذا الأخير لا يزال غيرمستوعب تماما لما حدث، قفز "لماذا الوردة" عدة خطوات للخلف وهو يصيح بصوت مبحوح كما لو كان يوجه له عتابا، بعينين تقطران شررا وشفتين مرتعشتين من غضب عارم:" قا ا ا ا ا ل أمك" وهو يضرب الأرض بقدمه بقوة . وبينما التفتت المرأة ومرافقتها ذات الخدين الحمراوين باتجاهه، دون أن تعيراه أي أهتمام خاص ، ثم زادتا من سرعتهما مبتعدتين، هبط "لماذا الوردة" على ركبتيه ناظرا باتجاههما، ثم تقرفص على نفسه في وسط الشارع، وتنشق الهواء بصوت مسموع، ثم لم ليبث أن انخرط في نوبة بكاء حار بصوت مخنوق، كانما اثار شيئا ما ألما وحنينا في داخله. وحين سقط المسكين في تلك الحالة، توقف في الجوار الرجل الأصلع عن حك رأسه الذي يشبه قدر فخار أملس،و هو يغمغم بكلمات غير مفهومة بلغة أهل صقلية، و لا حت من الفتاة التي كانت تسير متمايلة بمحاذاة البارجة الحارسة نظرة سريعة متعجبة باتجاهه. وفي الحال دبت الحياة في الشارع بمذاق الدراما الاجتماعية، حيث برز فجاءة عدة رجال من الكواليس، متسائلين عما اذا كان الرجل قد سمع للتو خبر وفاة عزيز، و ارتسمت على بعضهم نظرات يمكن وصفها بالمشفقة، قبل أن يمدوا أذرعتهم ليرفعوه من ذراعية. و بينما كان البغل الذي وصل للتو يرفع رأسه مقاوما صاحبه غير راغب في مغادرة المكان، أستجاب "لماذا الوردة" للمساعدة بحركة جسمه وهو ينظر الى الأرض بارهاق، كمن يشعر بالقئ، مادا يديهه الى الجانبين على مداهما في حركة متكلفة دون مقاومة، وأدار مقلتيه بخوف الى الجانبين باحثا عن حاصد الأرواح، وهو يشعر بعدم الأمان. وبعدما اطمأن "لماذا الوردة" لسلامة موقفه، هبت نفحة متمردة من الهواء،استسلم بعدها البغل الذي كان يهدر وهو يدك الأرض بحافره، ثم سكن الهواء فجاءة، فانتاب "لماذا الوردة"انفعال يشير الى السعادة، بينما كان البدوي صاحب البغل لا يزال يلعن وهو يلتقط ربطة رأسه التي قذف بها الى الأرض وسط المعركة. ثم أحس "لماذا الوردة" بالرغبة في مواصلة الحديث الذي انقطع الى ما لا نهاية، عندما أطلق ألحيوان صوتا يأسا، لكنه لم يتذكرالموضوع ولا مع من كان يتحدث."

عن مخطوط رواية "الوردة بدون لماذا" . تأليف أحمد عبد السلام بن طاهر
نشرت على صفحتي على الفيس بوك بتاريخ  20 أغسطس 2015
____________________________________________
Copyright© 2015 by Ahmed Abdulsalam Ben Taher
حقوق النشر محفوظة © 2015 للمؤلف أحمد عبد السلام بن طاهر 

السبت، 8 أغسطس 2015

الغريق الذي لفظه البحر ...

" ... ، ذات مرة، حكى أحدهم أن "عيازو" قد وعي العالم بضربات رأسه، وقد أعجبتني عبارته هذه حتى أني خربشتها أنذاك في كراستي. وعندما كبرت عرفت أن هذا المتثاقف قد انتزع هذه العبارة من فم "هيغل" الذي قال أن "نابليون وعي العالم على ظهر جواد". وقد يكون في الأمر، بعضا من السخرية - وقد يقول البعض حتى انها مهزلة - أن يقارن بين "عيازو" و الكورسيكي الذي حاول وضع أوربا في سروال واحد، ففي الحقيقة لم يكن يتداول آنذاك من أخباره بين شباب المدينة، الا ما يفيد بأن اهتماماته الاصيلة لم تتجاوز احتقار قوانين وقيم  النفاق والقشور الاجتماعية الفوقية التي تغطيه ، كما كان يحب ان يسميها، و التي ربما لم تتجسد في فكرتغيير أو ثورة بمفهوم تلك الأيام الا في وقت لاحق نسبيا.

منارة بوعزة في درنة كما رسمها
جندي ايطالي 
سنة 1912
ورغم كل الثغرات والمبالغات في قصة "عيازو" ، فأني أعرف بحق، أنه بعد أن القى الجنرال القصير خطابه الشهير في رجاله منتصبا تحت راس أبو الهول المدكوك الأنف، هاتفا بهم: " أيها الجنود، ان أربعين قرنا من الزمان ترنو بأنظارها اليكم" ، وقف - بعد ذلك بحوالي القرنين- عيازو" الذي لم يكن يفوقه طولا أمام جماعته، تحت سماء زرقاء  ربيعية صافية، بقميص أبيض مفتوح و بنطال جينز بالي و ضيق يتعلق بخاصرته النحيلة بلا حزام، على ربوة واطئة بجانب منارة "سيدي بوعزة" التي أطلق عليها اسم "منارة المعارك"  ليلقي كلمته التي لا زلت أتذكرها حتى يومنا هذا. والحقيقة أني لازلت أستغرب عبارات "عيازو" ،التي لم أنساها ابدا، والتي أوضحت لي بعد مرور السنوات، أنه كان هناك في تجويف ذلك الراس المدبب القاسي البارع في تسديد الضربات، كمية خطرة من المادة الرمادية التي تم ترويضها في غفلة من الزمن لتحمل هم الصراع المنتظر، و تنتقي مثل تلك العبارات التي لاتنسی،  التي تبدو لي كغريق لفظه البحر بعد عناء دام قرون. و الحقيقة  أني ذكرت "لم أنساها أبدا" رغم أن لدي بعض الشكوك المبررة في دقة ذاكرتي، وأحتمال كوني قد وضعت بعض الكلمات على لسانه دون وعى مني. وأجدني أتساءل أحيانا  ان كان "عيازو" قد قال ذلك كله فعلا، أم أن غبار السنين قد خلط  خطى الكلمات، فكلنا يعرف هشاشة الذاكرة وعدم امكان التيقن من حقيقة ما تفيض به."

عن مخطوط رواية "الوردة بدون لماذا" . تأليف أحمد عبد السلام بن طاهر
نشرت على صفحتي على الفيس بوك بتاريخ  8 أغسطس 2015
____________________________________________
Copyright© 2015 by Ahmed Abdulsalam Ben Taher
حقوق النشر محفوظة © 2015 للمؤلف أحمد عبد السلام بن طاهر 
الرسم لمنارة بوعزة سنة 1912 ، رسمها بالالوان المائية جندي ايطالي.

الأربعاء، 5 أغسطس 2015

اللعنة، ... لكن التاريخ كما حدث يختلف!

       " ... و لربما كان من المحتمل ان يجد "لماذا الوردة" نفسه محتكا مع جموع لا تعرف عن حقيقته شيئا، متفكرا بطريقته في صفوف العابرين ، الذين وصفهم في احدي المرات بانهم  " ليسواأكثر من حيوات بائسة هشة تسعى بتواطئ عقلي نحو جحيمها المسكر، الذي تلفه رائحة الانتظار، الذي  تعطي البعض احساسا مخدرا بأنهم لا زالو على قيد الحياة". أولربما كان من الممكن أن يعبر يتسلل في أوقات أخرى، عبر حيوات أخرى أقل قدرة على الانكسار وأقل انسانية، ملقيا بكلمات، من حين لآخر ، مونولوجات وجمل مربكة مما يلفظه العالم العقلي الذي يعيشه كي يستطيع متابعة العيش، مكررا أعترافه بأنه "لا يدري من أين أتى"، وهو يرفع يديه باتجاه الشمس كما لو كان يقدم قربانا لـ "آمون" عبر فرجة من بين السحاب، أو يصيح وهو يضيق عينيه متفرسا لبرهة في قطة تلوى ظهرها مذكرة اياه بأحد الصالحين : "اللعنة، ... لكن التاريخ كما حدث يختلف يا عباد الله..." ، وهي اللازمة التي كان يحب أن يضيفها من وقت لآخر، وهو يتقافز كفارس شاهرا سيفا مثل الفاتحين باسم الرب، بينما تتابعه بسخرية عيون تلتصق نظراتها به كغراء، وهي لاترى من وراء مظهره وحديثه المربك سوى كينونة مضطربة، مرتهنة في يد الشيطان، بينما يوجه هو اصبعه تجاهها ،كاتهام ، صائحا بصوت مرتعش كضمير في عريه، بجمل متباعدة حول "تاريخ -ما- متخيل، يصبغ أطرافه العنف". و لعله كان من الممكن أن تسير الامور مع "لماذا الوردة" على هذا النحو، هذا دون أن يدري سوى بعض الفانين بأن لديه رأيا مميزا حول هذا العالم، لعله سر بؤسه وجروح روحه وأهواله الداخلية. و لربما كان عليه أن يبدأ حياة جديدة - في مكان آخر -لا تختلف عن كل حياة عاشاها في كل مكان سابق، كهم تجدد مع أزمنة و أماكن ضاعت."


عن مخطوط رواية "الوردة بدون لماذا" . تأليف أحمد عبد السلام بن طاهر
نشرت على صفحتي على الفيس بوك بتاريخ 5 أغسطس 2015
____________________________________________
Copyright© 2015 by Ahmed Abdulsalam Ben Taher
حقوق النشر محفوظة © 2015 للمؤلف أحمد عبد السلام بن طاهر 

يا الهي … هل حجبنا الشمس؟

        "... و لم يلبث في الدقائق التالية من تلك الليلة أن استلسم العجوز لشعور قوي لا يدري كنهه يدفعه للتوقف عن التحدث، وكان يبدو  بعينيه المفتوحتين كثقبين لا قرار لهما و تجاعيد وجهه و حاجبيه المقطبين وكتفيه المتدليين، كما لو كان يحس في داخله نوعا من القلق الذي لم يعايشه منذ زمن طويل، ثم رفع بصره باتجاه "لماذا الوردة"و نظر الى ما وراء وجه ضيفه الغامض ،و وهو يتفكر لبرهة في السؤال الذي طرحه الغريب: "هل قلت أنه صرخ: "هل عميت؟"...  أم "أنا عميت" .

بعد ذلك لم يعد الشيخ يجد في نفسه الرغبة لتقييم مستوى مريده في "مدارج السالكين" كما كان قد عزم في البداية، و لم يعد يهتم بما يدور حوله، و قضى الوقت منشغلا بنفسه في محاولة تذكر شيئا ما مر عليه زمن طويل، و شعر المريدون بذلك فتركوه لحاله. وبعد موعد صلاة العشاء خرج الشيخ وانفض مريدوه بالتدريج. وعندما ودع المريد الأخير "لماذا الوردة" وأغلق عليه باب الزاوية ورحل، كان هذا الأخير يحدث نفسه بأنه قد رأى العجوز من قبل في مكان ما، و ربما كان آنذاك من دون لحية، ولكنه أحس في نفسه شعورا مرا، يخبره بأنه ليس مهيئا لعودة تلك الذكرى. ولم يلبث أن التهم السكون كل شيء، و ذوى ببطء الصدى - "يا الهي … هل حجبنا الشمس؟"- الذي كان يتقافز في دماغه، فانخرط لتوه في نوم عميق، فقد كان تعبا بحق."

عن مخطوط رواية "الوردة بدون لماذا" . تأليف أحمد عبد السلام بن طاهر
نشرت على صفحتي على الفيس بوك بتاريخ 5 أغسطس 2015
______________________________________________
Copyright© 2015 by Ahmed Abdulsalam Ben Taher
حقوق النشر محفوظة © 2015 للمؤلف أحمد عبد السلام بن طاهر