
لم يكن بالزقاق الا مجموعة من البيوت الصغيرة من دور واحد ما عدا بيتان كانا من دورين أحداهما في داخل الزقاق والأخر قرب نهايته لجهة السوق،وكانت المسافات الفاصلة بين الأبواب فارغة الا من بعض النوافذ الصغيرة الموصدة هنا وهناك، وبدت دون أية زخارف أو تفاصيل بارزة. الا ما يخبر عن الطابع الأندلسي. أما الجدران فكانت باهتة ولم ترى طلاء جديدا منذ فترة طويلة. القيت نظرة عابرة بداخل الزقاق تجاه الأبواب المقفلة، و لحسن الحظ لم أتقابل مع أي من الساكنين. وفي النهاية وقفت في مدخل الزقاق ملقيا نظرة أخيرة عليه. وفجاءة سمعت صوت باب يفتح، فتحركت بحذر الى زاوية الزقاق الأقرب الي سوق الخضار، مما يسمح لي بأن لا أكون مرئيا بسهولة لمن يخرج ، وركزت بصري ناحية الصوت، كما لو أن شبحا سيبرز منه، وكنت أمل أن يكون "المريد" ولكن لم يخرج أحدـ وعندما هممت بدخول الزقاق للاقتراب بحذر من الجهة التي صدرت عنها الضجة، سمعت فجاءة صرير نافذة تفتح من الجهة العلوية للمبني الواقع في مدخل الزقاق من اليسار ،وأطل منها للتو وجه شابة نظرت باتجاه مدخل المبنى في الأسفل ثم الى مدخل الزقاق، ولم يكن بامكانها أن تراني بسهولة من زاويتها. كان راس الفتاة عاريا و وجهها جميلا و شاحبا يشوبه بعضا من الحزن، مثل وجوه اللاتي قضين أغلب شبابهن في عتمة الجدران الرطبة، التي تفقد النساء ذلك السحر بالحياة والحيوية. و الحقيقة أنني لم أنتبه لطول الوقت الذي تفرست في وجهها، بأحاسيس متناقضة فقد ذكرني شحوبها و مسحة الكدر الغامضة التي تلفها بـصالحة، و لدقائق شعرت بأني لم أكن قادرا أن أعطي ظهري لهذا الوجه، وعندما تحركت من مكاني قليلا التقت عينانا، وشعرت في نظرتها التي خيمت عليها هالة حزينة، نظرة حيوان بري قبض عليه بعد صراع طويل، حينها باغتني صوت مألوف من خلفي: ( انه زقاق الدرقاوية)، وعندما التفت متفاجئا، وجدت "شيخ الطريقة" بجسمه المنحني النحيف وعيناه اللتان تشعان بنور باهت يبتسم و هو يربت على كتفي بهدوء (أرى انك مهتم بمعالم مدينتنا. هذا هو زقاق الدرقاوية، وهو في اسمه ينتسب الى الطريقة الدرقاوية التي أسسها "سيدي العربي الدرقاوي الذي ولد في المغرب قبل أكثر من قرنين) ، ... "
عن مخطوط رواية "الوردة بدون لماذا" . تأليف أحمد عبد السلام بن طاهر
نشرت على صفحتي على الفيس بوك بتاريخ 21 أغسطس 2015
____________________________________________
Copyright© 2015 by Ahmed Abdulsalam Ben Taher
حقوق النشر محفوظة © 2015 للمؤلف أحمد عبد السلام بن طاهر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق